Research Media

اللامركزية: تفريع للسلط أم تشتيت للفساد؟

السلطة بيد الشعب يمارسها عن طريق ممثليه، الفصل ثلاثة من الدستور.

مع إقتراب موعد الانتخابات البلدية الأولى في تونس منذ الثورة التي يتحمس لها البعض، تعالت كذلك مخاوف البعض الآخر من أن لا تكون هذه المناسبة إلا تفريعا للسلطة ولا مركزة للفساد، عوض مقاومته. فاللامركزية مبدأ موجود بدستور 2014، وأيظا بدستور 1959، غير أن تقييم الفترة الماضية يفيد بأن الرقابة القبلية كانت عائقا فعليا أمام نجاح الجماعات المحلية. للنظر في مستقبل ملف اللامركزية والجماعات المحلية، عقدنا السبت الماضي نقاشا بين خبيرتين في الشأن: هالة اليوسفي وشيماء بوهلال.

تقوم السلطة المحلية على أساس اللامركزية. تتجسد اللامركزية في جماعات محلية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون. الباب السابع، دستور الجمهورية التونسية.

الرقابة بعدية أم قبلية، إيجابية أم سلبية؟

في البداية طرحنا السؤال: هل أن الرقابة القبلية، سارية المفعول حاليا إلى حدّ إنتخاب مجالس بلدية جديدة، أمر إيجابي أم سلبي؟ أشارت شيماء بوهلال إلى أن القرار البلدي بالشكل الحالي يتم بعد التداول بين مجلس النيابة الخصوصية، والقرارات تتخذ عادة بالإجماع. محاضر هذه الجلسات البلدي يتم تمريرها لاحقا للولاية لمصادقة الوالي. وهذه سيرورة اتخاذ القرار برقابة سابقة، والتي تمارس في إطار القانون الأساسي للبلديات.

الباحثة في علم الاجتماع، هالة اليوسفي، تعتقد أن المركزية ليست فقط واقعا وإنما مروث تاريخي وسياسي متجذر عبر الحقبات البورقيبية والبنعلوية وضع إدارة الدولة في يد نخبة سياسية مضيقة. وأضافت أن المطالب الشعبية في الفترة المباشرة بعد الثورة لم تصغ بشكل بحث عن اللامركزية والمشاركة المواطنية، وإنما رغبة في توزيع أفضل وأعدل للثروات التي تديرها الدولة. الإنتخابات البلدية قد لن تضع نهاية لسوء توزع الموارد، ولن تخلق فجأة موارد جديدة، لذا من الواجب النظر في المنوال الاقتصادي للبلاد ومراجعة المشاريع الكبرى ونمط الرقابة على المؤسسات، المركزية كما اللامركزية، لضمان توازن اجتماعي أفضل.

غير أن دستور 2014  ينص صراحة على أن الجماعات المنتخبة يجب أن تتمتع بالتدبير الحر، وأن تكون الرقابة تكون لاحقة لرصد ما اذا كان القرار قانونيًا أم لا، يعني أمام القضاء، لا تقييم القرار في حد ذاته، وذلك أمام القضاء الاداري للمسائل الادارية أو أمام محكمة المحاسبات اذا ما تعلقت الأمور بالمسائل المالية، كما هو الحال مع مجلس نواب الشعب الذي يستمد مشروعيته وشرعيته واستقلاليته في القرار من الدستور، فلا سلطة قبلية أو مراقبة لم ولماذا يفعل الا فيما يتعلق بدستورية القوانين.

“تتمتع الجماعات المحلية بصلاحيات ذاتية وصلاحيات مشتركة مع السلطة المركزية وصلاحيات منقولة منها. توزع الصلاحيات المشتركة والصلاحيات المنقولة استنادا إلى مبدإ التفريع. تتمتع الجماعات المحلية بسلطة ترتيبية في مجال ممارسة صلاحياتها، وتُنشر قراراتها الترتيبية في جريدة رسمية للجماعات المحلية. الفصل 731، الباب السابع.

 

“برزخ” الصلاحيات

الباحثة هالة يوسفي من جهتها أشارت إلى أنها قد طرحت نفس التساؤل على العديد من المستجوبين وتحصلت على مجموعة من التساؤلات حول هذه المسألة، وأهمها ضبابية توزع الصلاحيات بين المركز والأطراف،إلى جانب تخوف البعض اليوم إلى أن الشبح الذي يخيم على مستقبل المجالس البلدية مستقبل سيكون ضعف أو قلة الكادر البشري الكفئ لإدارة شؤون البلديات والتحكم في ميزانيتها. غياب الرقابة القبلية يعني تخلصا من البيروقراطية وطول الإجراءات من أجل إتخاذ أي قرار في صلب المجلس البلدي. ولتحقيق رقابة بعدية ناجعة، يجب باختصار توفير قضاء مستقل ومدعوم بوسائل النظر في مختلف القضايا في وقت قياسي، مجتمع مدني ديناميكي ومساهم في تفعيل الديموقراطية التشاركية، ودولة قوية تحكم السيطرة على مجالها وتوفر وسائل العمل والنجاح لمؤسساتها اللامركزية.

 

المجتمع المدني: شريك أم رقيب؟

في معرض الحديث عن عمل المجتمع المدني بخصوص عمل البلديات، اقترحت شيماء بوهلال أن على المجتمع المدني لعب دور الرقابة والتصدي لمشاريع قد لا تكون في الصالح العام لعمل البلديات، وساقت على سبيل المثال المشروع الإنمائي الذي أعده البنك الدولي من قبل الثورة والذي لم تتم مراجعتها بشكل كبير. حيث أن للمنظمات الجمعياتية على المستوى الوطني مساهمة كبرى في تدريب المواطن على المشاركة في شأن مجتمعاتهم الصغرى، لكن هذا الأمر لا ينطبق على كل مناطق الجمهورية. حيث أن دراسة مشكل ما، وإعداد ورقة بحثية أو مقترح ما يتطلب حدا من المعرفة التقنية والإمكانيات المادية والبشرية التي قد لا تتوفر في أغلب الجهات الداخلية خاصة للبلاد.

تشتيت الفساد

الإنتخابات البلدية قد لن تضع نهاية لسوء توزع الموارد، حسب رأي الباحثة في علم الإجتماع هالة يوسفي، ولن تخلق فجأة موارد جديدة. لذا من الواجب النظر في المنوال الاقتصادي للبلاد ومراجعة المشاريع الكبرى ونمط الرقابة على المؤسسات، المركزية كما اللامركزية، لضمان توازن اجتماعي أفضل.

ومن جهتها ترى شيماء بوهلال أن اللامركزية ستغير مشهد العمل السياسي بالتأكيد، رغم إنفتاح النتائج على كل الاحتمالات سواء كانت إيجابية أو غير ذلك. يبقى أن الأمر يعتمد بشكل مصيري على الأهداف المرسومة، وقدرة أجهزة الدولة على التعلم والتأقلم مع الوضع اللامركزي الجديد.

لمشاهدة كامل الحوار

Alyani Mohamed