Research Media

حقوق المؤلف: “هي سرقة، آما ردّوها reprise”

هل نتخيّل يوما أن يتمّ منع بثّ أغنية Despacito من الإذاعات، أو منع إعادة غنائها من طرف مجموعة من الهُواة في أحد العُلب الليليّة؟ هل سيأتي يوم يُمنع فيه تداول سمفونيات عالميّة معروفة في أعمال مسرحيّة تونسيّة بدعوى أنّها “تخرق الحقوق المعنويّة للمؤلّف”؟ لو دخلت اتّفاقية التبادل الحرّ الشامل والمُعمَّق مع الاتحاد الأوروبي حيّز النّفاذ لأصبحت هذه الفرضيّات واقعًا.

Contents

هي سرقة، آما ردّوها reprise“، هكذا قال الفنان صالح الفرزيط حين قام فهمي الرياحي بإعادة أداء أغنيته “يا بايعتني” بتوزيع جديد دون طلب ترخيص منه ودون أن يدفع له مقابلا ماليّا. وهي ليست المناسبة الأولى التي يتم فيها الاعتداء على حقوق التأليف وفق ما ذكره صالح الفرزيط.

وفي مناسبة أخرى تقدّم  الفنان “بنديرمان” بشكوى لدى القضاء إثر نشر مقطع فيديو على الصفحة الرّسمية لمؤسّسة التّجاري بنك  تمّ فيه استعمال أغنية “غناية ليك دون أيّ إشارة إلى عنوان الأغنية أو اسم صاحبها. وهي ليست المرة الأولى الّتي يتمّ فيها استعمال مقاطع موسيقيّة أو نصوص تعود ملكيّتها إلى شخص بعينه وتوظيفها لأغراض ترويجيّة أو في أعمال فنيّة أخرى.

وفي سياق آخر، تقدّم الكاتب والمُخرج وسام التليلي بشكوى لدى القضاء حول سلسلة “جنون القايلة”، حيث اتّهم كاتبة السيناريو بأنّها استغلّت الفكرية الأصليّة دون احترام الملكيّة الفكرية، مؤكّدا أنّه أرسل السيناريو إلى شركة الإنتاج قبل أن تقوم هي بصياغة الفكرة بالشّكل الّذي ظهرت عليه في الشاشة.

حسب أستاذ الموسيقى أحمد فارس بن رمضان “فإنّ استغلال الألحان أو إعادة توزيع الأغنيات لا يتمّ وفق ما يقتضيه القانون رغم ما ينصّ عليه من عقوبات زجريّة ورغم الاتفاقيات الّتي أمضتها تونس، وإنّما تتم استشارة صاحب العمل من باب “الماخذة بالخاطر” دون دفع مستحقاته الماليّة، أو من خلال استغلال العمل الأصلي دون ترخيص من صاحبه.” وذكر أنّ معظم الفنانين لا يُسجّلون أعمالهم بالمؤسّسة التونسية لحقوق التأليف والحقوق المُجاورة الّتي تضمن للفنّان حقوقه الماديّة والمعنويّة.

ما معنى الانخراط في مؤسّسة تحمي حقوق التأليف؟

تُعنى المؤسسة التونسية لحقوق التأليف والحقوق المجاورة بحماية حقوق المؤلف الماديّة والمعنوية وضبط كيفيّة استغلال الأعمال الفنيّة وعائدات هذا الاستغلال وكيفيّة توزيعها على الفنّانين أصحاب الأعمال. كما تتدخل في النزاعات بين المؤلفين ومستغلي الأعمال الفنية لدى المحاكم وتُنسّق مع نظيراتها الأجنبيّة بهدف إبرام اتفاقيّات أو حماية المُصنّفات وضمان حقوق المؤلّفين. ويُقصد بالمُصنّفات العمل الفنّي في صيغته الأصليّة أو في صيغته المُشتقّة، أي العمل الفنّي في حالته الأوليّة (مثل نصّ أو كلمات أغنية) أو في حالة تحويله وإدماجه ضمن عمل متكامل (مثل الأغاني الّتي تشمل الكلمات واللحن والتوزيع والآلات).

وتمّ إحداث هذه المؤسسة بمقتضى القانون المُتعلّق بالملكية الأدبيّة والفنيّة الصّادر سنة 1994 والذي تمّ تنقيحه سنة 2003.

إنّ حماية المُصنّف الفنّي منذ نشأته أمر بديهيّ. إلاّ أنّه ومن باب الحيطة وجب إيداع العمل الفنّي لدى المؤسسة الوطنية لحقوق التأليف والحقوق المجاورة حتّى يمتلك المبدع قرينة تؤيّد ملكيّته المطلقة لعمله الفنّي في صورة حدوث نزاع بينه وبين من استغلّ عمله دون إذنه، كما حصل في إعادة أداء بعض الأغاني التونسية المعروفة مثل “ارضى علينا يا الاميمة”.

أمّا عن حقّ المؤلف فيعني انفراده باستغلال منتوجه الفكري، سواء كان أغنية أو نصّا أو كلمات أغنية، أو تمكين الغير من استعماله بمقابل مادّي يضمن حقوقه الماديّة.

كما يكفل القانون أيضا احترام الحقوق المعنوية للمؤلف، وهي حقوق ذات بُعد رمزي وأخلاقي بحيث تتمّ نسبة العمل الفنّي لصاحبه الأصلي عند كلّ مرّة يتمّ فيه استغلاله عبر مختلف المحامل وفي مختلف الأماكن.

فعلى سبيل المثال  :

 إذا أعاد فنّان أداء أغنية فنّان آخر دون أن يطلب ترخيصا كتابيّا مسبقا منه أو من المؤسسة الّتي تُعنى بحماية حقوق المؤلّف فإنّه يتعرّض إلى عقوبات ماليّة تتراوح بين ألف وخمسين ألف دينار

 حسب ما ينصّ عليه القانون عدد 33 لسنة 2009 المُنقّح والمُتمّم للقانون عدد 36 لسنة 1994 المتعلّق بالملكيّة الأدبيّة والفنيّة، أو إلى احتجاز معدّاته.

تُعرّف الملكية الفكرية وفق المنظّمة العالمية للملكية الفكرية على أنّها “إبداعات العقل” من مصنفات أدبية وفكرية واختراعات وغير ذلك. وهي محميّة قانونا وتهدف بالأساس إلى تحقيق التوازن بين “مصالح المبتكرين” و”مصالح الجمهور”. فكيف يمكن التوفيق بين حماية حقوق المؤلّف من ناحية وتأمين حقّ النفاذ إلى المنتوج الفكري والثقافي من ناحية أخرى؟

حقوق التّأليف في التشريع الوطني

ضمن كراس الشروط المتعلّق بإحداث واستغلال قناة تلفزية خاصّة حقوق المؤلّف بمقتضى اتفاقيّة بين القناة أو التلفزة والمؤسسة التونسية لحقوق التّأليف لتنظيم كيفيّة استغلال الأعمال الفنية ومدّة بثّها وذكر أسماء مختلف الفاعلين والمنتجين للعمل الفنّي المعني مهما كان مضمونه وشكله حتى يتمّ إسداء الحقوق لأصحابها.

ورغم ذلك، فإنّ الفنّان لا يحظى بتعريف قانوني ولا بنظام أساسيّ يمكّن من تصنيفه وتمييزه. وكانت وزارة الثقافة قد أعدّت مشروع قانون أودعته لدى مجلس نوّاب الشعب بتاريخ 27 ديسمبر 2017 والّذي يهدف وفق فصله الأول إلى وضع إطار قانوني يضبط حقوق الفنان وواجباته وكيفيّة ممارسة المهن الفنيّة ويُحدّد آليات النهوض بالأنشطة الثقافيّة ودعم منتسبيها.

لكنّ النقاش حول مشروع هذا القانون لم يُستأنف منذ 21 فيفري 2018 وفق موقع مرصد مجلس التابع لمنظمة البوصلة وتمّ تناقل خبر مفاده أنّ المشروع سحبته الحكومة لإدخال بعض التحسينات عليه.

إذا لم يُعرّف الفنّان قانونا فقد يُصبح من الصّعب التعامل مع بعض الوضعيّات خاصّة مع تعدّد المحامل الفنيّة والمهن التّابعة له والأطراف المتدخّلة في صناعة المادّة الفنيّة من تقنيات وآلات وبرمجيّات تحميل وتسجيل وغير ذلك، أو تعامل فنّانين تونسيّين مع هياكل ومؤسسات أجنبيّة.

الاتفاقيات الدولية وحماية حقوق المؤلّف بتونس

إن الاتحاد الأوروبي يعمل على توثيق الشراكة بينه وبين “دول جنوب المتوسّط” وذلك منذ اتفاقيّة الشراكة الّتي أُبرمت مع تونس سنة 1995 وصولا إلى اتفاقية التبادل الحرّ الشامل والمعمّق أو ما يُعرف باتفاقيّة الأليكا. وقد شملت هذه الاتفاقية الملكية الفكرية وحقوق التأليف وفق ما توضّحه وثيقة تفصيلية في الغرض.

إقرأ أيضا: أليكا / تونس :” اقرأ هذه الوصفة بعناية”

تمّ تخصيص محور من هذه الاتفاقيّة لموضوع حماية الملكيّة الفكرية وحماية حقوق التّأليف وجب على الدّول المنخرطة في هذه الاتفاقيّة أن تلتزم به، من ذلك مثلا الانخراط في المواثيق الدولية على غرار اتفاقية مراكش ومعاهدة روما وبيجين وبيرن والتي تتعلق إجمالا بحماية حقوق التأليف والحقوق المجاورة.

تشارك المؤسسة التونسية لحقوق التأليف والحقوق المجاورة ضمن فريق عمل المفاوضين حول الملكية الفكريّة الّذي يتولّى مناقشة مشروع اتفاقية التبادل الحرّ الشامل والمعمق، دون إبداء موقفها من هذه الاتفاقية خاصّة حول التمديد في مدّة حماية حقوق التأليف مدّة عشرين سنة، وما كان ذلك يندرج في إطار حماية المُصنّف الفنّي من الاستغلال أو الحدّ من النفاذ إلى الأسواق الأوروبيّة. ولكنّ المؤسّسة أكّدت أنّ “التشريع التونسي يضمن الحماية المعنوية للمؤلّف وهي حقوق لا تسقط بالتقادم، أي أنّها لا تخضع لمدّة زمنية محدّدة”.

الاتفاقيات الدولية وحماية حقوق المؤلّف بتونس

في عصر العولمة واستخدام التكنولوجيا الحديثة في التسويق المنتوجات الفنية الجديدة وحفظها وتحميلها على تطبيقات ومواقع مثل Youtube و ITunes و Deezer لا يمكن الحديث عن منتوج فنّي “محلّي” يتمّ تداوله في السوق الداخليّة فقط، بل يجب التحدّث هنا عن الصناعات الثقافية في بُعدها العالمي. وهو ما يُحتّم تحقيق التّناسب بين النفاذ إلى الفنون بمختلف أنواعها من ناحية، واحترام حقوق المؤلفين الأجانب حين بثّ أغانيهم في الإذاعات أو استغلال مقطوعة موسيقيّة أجنبيّة في أعمال فنيّة محليّة بغرض الرّبح أو غير لك من أشكال إعادة استخدام العمل الفنّي.

تنصّ اتفاقية الأليكا في الباب المتعلق بالملكية الفكرية وتحديدا في الفصل الرابع المتعلق بحماية حقوق التأليف وجوب احترام أطراف الاتفاقيّة للمعاهدات التالية، والتي سنوضّح في الجدول المُصاحب ما إذا كانت تونس مُمضية على هذه المعاهدات أو لا:

كما تنصّ اتفاقيّة الأليكا على مدّة حماية المصنّفات الفنيّة على النحو التالي:

0
سنة حسب التشريع الوطني للحقوق المادية للمؤلف والمصنفات المشتركة (تعود ملكيتها إلى أكثر من طرف) والمصنّفات السينمائية والسمعية البصرية
0
سنة حسب مقترح الأليكا للحقوق المادية للمؤلف والمصنفات المشتركة (تعود ملكيتها إلى أكثر من طرف) والمصنّفات السينمائية والسمعية البصرية

تطرّقت المؤسسة التونسية لحقوق التأليف والحقوق المجاورة إلى أشكال التعاون الأخرى بين تونس ومؤسسات حقوق التأليف مثل الشركة الفرنسية لناشري ومؤلفي وملحّني الموسيقى SACEM:

“ترتبط المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة علاقات تعاون مع عدّة منظّمات ومؤسسات دوليّة عاملة في ميدان الملكيّة الأدبيّة والفنيّة على وجه الخصوص المنظمة العالميّة للملكية الفكرية والكنفدراليّة الدّولية لمؤّسسات المؤلّفين والملحّنين CISAC بالإضافة إلى مؤسسات مثيلة عاملة في التصرّف الجماعي لحقوق المؤلّف وذلك بغاية تدعيم برامج التكوين وبناء القدرات وتبادل التّجارب.

وبالنسبة إلى التعاون مع الشركة الفرنسيّة لناشري ومؤلّفي ومُلحّني الموسيقى SACEM فإنّ المؤسسة التونسيّة لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة بصدد إجراء مناقشات في الغرض قصد إبرام اتّفاقيّة تمثيل مُتبادل بين الطّرفين”.

وللإشارة فإنّ عدد المنخرطين في المؤسسة التونسية لحقوق التأليف يبلغ فقط 3431 عضوا في حين تعدّ نظيرتها الفرنسية 168.000 منخرطا من مختلف أنحاء العالم وليس فقط في فرنسا منها فرعان في مصر ولبنان نظرا لوفرة الإنتاج الفنّي في هذين البلدين وإعادة استخدامه واستغلاله في عديد الأعمال.

رسم صدري خياري www.sadrikhiari.com

تنسيق: محمّد الحدّاد

Manel Derbali

Add comment