Research Media

قيس سعيّد: أستاذ القانون المحافظ؟

Contents

في سياق عرضنا لسيرة بعض المرشحين للانتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها لسنة 2019. يقدم محمد سليم بن يوسف، طالب الدكتوراه في العلوم السياسية بجامعة ايكس الفرنسية قراءته حول المرشح قيس سعيد و مسيرته المهنية و فكره السياسي.

يضمّ ترشّح قيس سعيد للانتخابات الرئاسيّة السابقة لأوانها عديد الدلالات الفارقة : أوّلها الانخراط النّادر للجامعي و رجل القانون في معترك المنافسة السياسيّة. لم يخل هذا الظهور من بعض التندر حول طريقة كلام المترشح، هذه الطريقة المشدودة كثيرا إلى العربية الفصحى والتي تفصح كذلك عن منزلته كمثقف. ولكن بعيدا عن أي تهويل أو قراءات مسقطة حول هذا الشكل من الخطاب، يحمل هذا المرشح للرئاسة “رغما عنه” خطابا مفرطا في القانونيّة إزاء السياسة، تنم عن نظرة تختصر السياسي في البعد القانوني مع استبعاد الغوص في حمولته السوسويولوجيّة أو الإثنيّة أو السياسيّة. و هو ما يضفي هالة إضافيّة من التعقيد حول رؤيته السياسيّة.

قيس سعيد و علاقته بالقانون

تحصل قيس سعيّد عل شهادة الدراسات المعمّقة في القانون الدولي و درّس في كلية العلوم القانونية بتونس و في كلية الحقوق بسوسة، ويذكر عنه قوله بأن كافة فصول حياته تتمحور حول القانون الدستوري. تزوج بقاضية تشغل خطة وكيل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس، فالرجل إذن هو نتاج محيط اجتماعي مضيّق منغمس في الخطاب الإجرائي و القانوني، لا يرى السياسة إلا في علاقتها بالقانون. تعزز هذا الرابط المعنوي بالقانون (الدستوري خصوصا) بمساره الأكاديمي فقد شغل قيس سعيد منصب  الكاتب العام للجمعية التونسية للقانون الدستوري بين 1990 و 1995. و تبوّأ بعد ذلك منصب رئيس قسم القانون العام و العلوم السياسية بكلية الحقوق في سوسة بين 1994 و 1999 و كان أحد رؤسائه المباشرين حينذاك الدكتور “عبد الكريم الزبيدي”، رئيس الجامعة. وقد عمل كذلك كخبير في القانون الدستوري في الأمانة العامة لجامعة الدول العربيّة بين 1989 و 1990 ثم في المعهد العربي لحقوق الإنسان بين 1993 و 1995. كما ظهر في عديد المناسبات الإعلامية لإبداء رأيه القانوني في عديد الأحداث التي شهدها المسار الانتقالي. مع التنويه بأن قيس سعيد قد رفض الانضمام إلى لجنة من الخبراء لاعادة قراءة الدستور في سنة 2013 “كي لا يعطي شرعيّة للخيارات السياسيّة التي اتخذت في تلك الفترة”.

البديل الديمقراطي؟

منذ السنوات الأولى ما بعد الثورة، تبنّى قيس سعيّد طرحا مثاليا في اللامركزيّة، حيث اعتبر التمشي الذي تم اعتماده بانتخاب المجلس الوطني التأسيسي نابعا من رؤية مركزية لطريقة الحكم بينما تبنى كبديل عنها رؤية ثورية تنبني على “قلب هرم السلطة السياسية”، أي مسار انتخابي ينطلق من الأسفل إلى الأعلى. 

يقترح “سعيّد” بداية انتخاب مجالس محلية، تنبثق من خلالها المجالس الجهوية. و يقوم المسؤولون الجهويون للإدارات المركزية بالحضور في اجتماعات هذه المجالس، مما يمكّن من طرح و إنتاج مخططات تنمية جهويّة تشاركية و ممثلة للتطلعات المحليّة. بهذه الطريقة تعتمد الهيكلة الإداريّة و السياسيّة للدولة على أحد الأدوات المستوحاة من مبادئ الديمقراطية المباشرة، أي مسؤولية الممثلين المحليين. إن هذا التمشي يشكل بلا ريب نقطة تميّز هذا المرشح عن بقية منافسيه. و لكن كيف يمكن إرساء هذه الأفكار على أرض الواقع مع وجود نظام سياسي كامل قد تم إرساؤه مسبقا؟ يقترح المرشح لتحقيق هذه الرؤية إجراء استفتاء لتنقيح الدستور.

هل هو مرشح محافظ حقّا؟

مع ذلك فقد أثارت بعض المواقف التي أبداها قيس سعيد بعض الجدل لطابعها المحافظ. نذكر منها خاصة ثلاثة مواقف رئيسية: أولها رفضه للمجاهرة بمظاهر المثلية الجنسيّة، التي يرى أنها موضوع مسقط من بعض الأطراف الأجنبيّة. و يساند سعيّد الابقاء على عقوبة الإعدام، رغم أنّ حق الحياة مضمون في الدستور، دون أن نذكّر بمختلف الحجج المقدمة من قبل عديد الحقوقيين لإلغاء هذه العقوبة. أما ثالث هذه المواقف المثيرة للجدل فهو رفضه للمساواة في الميراث كما برز خاصّة في تقرير لجنة الحريات الفرديّة و المساواة. اذ يرفض المترشح قطعيا الحديث ف الموضوع مستندا في ذهمك على رؤية سيادية و ثقافيّة. من خلال هذه المواقف الثلاث يبدي الأستاذ المتقاعد تموقعه ضمن ما سمي ب”القضية المجتمعية” و هي مواقف لم تلق ترحيبا من شريحة هامة من المجتمع المدني الناشط في حماية و تعزيز المكتسبات الديمقراطية و قيم المواطنة.

 

الترجمة من الفرنسية الى العربية: خيرالدين الباشا

Mohamed Slim Ben Youssef

Add comment