الشفافية في أسعارالأدوية: الأفقر يدفع أكثر؟

استهدف هذا القرار منظومة التسعير الحالية بأكملها و تمكن من تحديها بشكل مباشر، فلم تكن تلك المنظومة تخلو من الجور و عدم التكافؤ، حيث تدفع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أحيانًا كلفة أكثر من الدول الغنية مقابل الحصول على بعض الأدوية الجديدة. ووفقًا لدراسة أجرتها الهيئة الوطنية للتقييم والاعتماد في المجال الصحي ، فإن تونس دفعت سعرا باهظا لعلاج  Herceptin” ، أحد منتجات شركة “روش” (Roche) لسرطان الثدي ، عدّ أغلى حتى من مثيله في فرنسا و بريطانيا العظمى و المجر بالرغم من أنها الدولة التي لديها أقل ناتج محلي إجمالي للفرد بين هذه الدول.

Résumé de l’Avis d’Evaluation des Technologies de Santé: Le trastuzumab dans le traitement du cancer du sein HER2 positif au stade précoce et localement avancé http://www.inasante.tn/sites/default/files//resume_tratsuzumab_premier_rapport_ets_ineas.pdf

تصرّح “ناتالي إرنولت” من منظمة أطباء بلا حدود – Access Campaign: بأن الدول “تتفاوض بأعين مغمضة”. فعديد الأسئلة لا زالت مطروحة حول الموضوع :كم يدفع الجيران مقابل نفس الدواء ، ما هي كلفة تصنيعه ، وما هي تكاليف البحث والتطوير ، وأي هامش للصناعة الدوائية أو حجم الدعم الذي تقدمه الدولة للحصول على الدواء؟ لا تفصح “شركات الصناعات الصيدلانية الكبرى عن أي إجابات حول ذلك.

بالنسبة إلى المعامل الدوائية ، فإن سرّ المهنة لا يزال يمثل قوة كبيرة أثناء التفاوض، و تبقى الشركات هي الطرف الوحيد الذي يعلم مقدار ما يدفعه كل بلد “حقًا” لأن ما يسمى بالأسعار الرسمية أو “أسعار الواجهة” مختلف تمام الاختلاف عن الأسعار “الحقيقية” بعد الخصومات و الامتيازات المخصصة للفئات الضعيفة أو ضمانات العرض التي لا تزال تكتنفها السرية هي الأخرى. وقد قال المندوب القبرصي أنه نتيجة لذلك “تعتقد كل دولة أنها تدفع الثمن الأفضل”. لكن هذا النظام الحالي الذي يعد بعيدًا عن كونه مناسبًا للدول أوالمرضى ، فقد ساهم طرديا في تضخيم الأسعار ووضع أنظمة التأمين الصحي في إشكالات كبيرة، وخاصة الفئات الأكثر حرمانًا من الرعاية الصحية. كلما كنا أضعف ، كلما دفعنا ثمنا أغلى، حيث لازال التفاوت ماثلا بين الدول أو داخل الدولة نفسها.

إن الأشخاص الأقل حظاً والمحرومين من التغطية الصحية هم الأكثر معاناة من أجل الحصول على العلاجات المكلفة. و حتى داخل البلدان الغنية ، فإن عدم المساواة لا يزال قائما بل ويزداد عمقا في كثير من الأحيان. في سويسرا ، شجبت منظمة Public Eye الأسعار المرتفعة غالبًا للعلاج ضد سرطان الثدي التي تنتجها شركة ” روش” المتمركزة في مدينة “بازل”. اقترحت هذه الجمعية التي تعمل حول الشأن الصحي من بين مواضيع أخرى للوصول إلى الرعاية استخدام آليات استثنائية تضمنها منظمة التجارة العالمية كالرخصة الإلزامية لتجاوز براءة الاختراع. وفي الولايات المتحدة، عقد مجلس النواب مؤخرًا جلسة تحقيق استهدفت مدير مختبر “جلعاد” ، الذي يحمل براءة اختراع عقار “سوفوسبوفير” ، وهو علاج ثوري يعالج مرة واحدة وإلى الأبد التهاب الكبد الوبائي من صنف “ج”. حيث قامت النائبة الديمقراطية “ألكساندريا أوتشاسيو كورتيز” بتوبيخه بشراسة بسبب ارتفاع أسعار هذا الدواء في الولايات المتحدة حيث ناهز عشرات الآلاف من الدولارات ، في حين بلغ 8 دولارات فقط في أستراليا ، وذلك بفضل نظام التغطية الصحية الفعالة الأوسترالي.

تم إنتاج نفس علاج الالتهاب الكبدي الوبائي من نوع “ج”محليًا في مصر ، البلد العربي الوحيد الذي ساهم في صياغة القرار حول الشفافية في أسعار الأدوية. “لقد تم علاج مليوني شخص حتى الآن بتكلفة 60 دولارًا لكل مريض” ، وفقًا لما ذكره المندوب المصري الذي تحدث خلال أعمال الجمعية. ولتبرير ذلك ،رفضت مصر تسجيل براءة اختراع “جلعاد “على أساس أن هذه الشركة لم تكن هي المنتج الرئيسي للعقار إذ أنها لم تقم إلا بشراء شركة “فارماست” ،صاحبة الابتكار الحقيقي للدواء. ودعا المندوب المصري منظمة الصحة العالمية إلى تعزيز قدرة الدول الأقل نموا والدول التي في طور النمو في الإفادة من متطلبات المرونة التي توفرها منظمة التجارة العالمية.

كما تحدث مندوب المغرب من جهته بشكل إيجابي عن الشفافية. وقد اعتبر أن التطعيم يعد إجراءا ذي أولوية ، معبّرا عن أسفه لأن ارتفاع أسعار اللقاحات الجديدة يحد من إدخالها في جدول التطعيم. “ونتيجة لذلك ، لا بد من دعم البلدان المتوسطة مثل المغرب من خلال إنشاء مجموعة عمل داخل منظمة الصحة العالمية تسهل الوصول إلى اللقاحات للبلدان ذات الدخل المتوسط ​​من خلال منح فرص تفاضلية لهذه البلدان لشراء مجموعة من اللقاحات الضرورية في وضع عام يتسم بنقص الشفافية في أسعار اللقاحات وانخفاض المنافسة”.

مصر والمغرب، بل و الجزائر أيضا، كان الدعم العربي لمبدأ الشفافية كبيرا إذن. كما شاركت تونس بنشاط في أعمال الفريق غير الرسمي المكلّف بإجراءات الصياغة من أجل تقييم المعايير المتعلّقة بتعزيز الشفافية. تبنت مجموعة العمل هذا القرار وراء الأبواب المغلقة بالإجماع حيث كانت كافة الإمكانيات متاحة لجميع البلدان للمشاركة في المناقشات واقتراح التعديلات. لكن صباح الثلاثاء ، و بحركة مسرحية، انسحب الألمان والإنكليز والمجريون في اللحظة الأخيرة من أشغال الجلسة العامة ، وهي ممارسة يندر حدوثها في مؤسسات الأمم المتحدة حيث الإجماع ، حتى لو كان مجرد واجهة ، لا يزال يتمتّع بالأسبقية على آليات صنع القرار الأخرى

الخطوة الأولى

يعتبر هذا النص غير إلزامي ، فهو مجرد إعلان مبدئي يمكن للدول أن تستلهم منه اقتراح تعديلات على قوانينها. و لكن بالنظر إلى أن شركات الأدوية ترفض الكشف عن تكلفة التصنيع والبحث والتطوير والتجارب السريرية لمنتجاتها المبتكرة ، فلا يمكن التحقق من الكلفة الحقيقية الكاملة للدواء، مما يظل إحدى الحجج الرئيسية التي تتبناها شركات الأدوية لتبرير أسعارها الفلكية.

وفقًا ل”غايل كريكوريان” من منظمة أطباء بلا حدود – Access Campaign ، فإن شركات الأدوية لا تحدد أسعارها لضمان الحصول على الدواء من قبل جميع المرضى. بل”تسعى إلى تحديدها لزيادة أرباحها إلى الحد الأقصى ، الأمر الذي يؤدي إلى ترشيد استعمال الأدوية عندما لا يستطيع المرضى والأنظمة الصحية تحمل تكاليفها بشكل كامل”.

في المقابل ، تترك شركات الأدوية الأمر للدول لضمان التغطية الصحية لمواطنيها. ومع ذلك ، إذا طالبت الدول بشفافية الأسعار، فذلك لأنها تتطلع إلى توفير تغطية صحية أوسع من حيث العدد والجودة. وبالتالي ، فإن هذا القرار ليس سوى “خطوة أولى” وفقًا لعديد المنظمات غير حكومية. وواقع الحال أن النسخة المعتمدة للقرار ضئيلة التأثير،حيث أن مشروع القرار الأولي تضمن نشر تكاليف البحث والتطوير ، والتجارب السريرية ، وكذلك مقدار الدعم العام للبحوث التي استفاد منها المختبر فقط.

و كان أن عارضت الولايات المتحدة نشر تكاليف البحوث والتجارب السريرية ، لكنها استسلمت بشأن شفافية الأسعار. في حالة تطبيق هذا القرار ، سيتم إنشاء قاعدة بيانات تشمل “السعر الصافي أو السعر الفعلي أو سعر الصفقة الصافي أو سعر البيع الخاص بالمصنع أي المبلغ الذي تلقاه المصنّع بعد طرح كل الخصومات والحسومات وغيرها من الحوافز. عالميا توجد منصة لتبادل المعلومات حول أسعار الأدوية ، لكنها مخصصة لمنطقة غرب المحيط الهادئ فقط.


ترجمة: خير الدين باشا

رسم: صدري خياري https://www.sadrikhiari.com

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *