Research Media

التصريح بالمكاسب : ستة بلدان، أربعة قارات

Contents

يمكن أن تغذي مقارنة سياقات مختلفة على مستوى الزمان والمكان تحسين سياسة عمومية. ففيما يخص التصاريح على المكاسب، لم تكتفي بر الأمان بالعودة إلى الماضي (قانون 1987)، بل ذهبت كذلك إلى التجارب المقارنة في علاقة بالسياسات العمومية التي تتلعلصو بالتصريح بالمكاسب.
يعود هذا المقال على ثلاثة تجارب تتعلق بستة بلدان، اخترناهم من أربعة قارات قصد التنويع : بولونيا، فرنسا، الفلبين، الأرجنتين، تنزانيا و غانا. هذا المقال هو عبارة عن مقتطفات من تقرير بر الأمان حول المسألة، و الذي تجدونه في هذا الرابط:  https://www.researchmedia.org/ar-rapport-declaration-patrimoine/

بولونيا: هل في نشر التصاريح إخلال بحماية المعطيات الشخصية؟

رفضت المحكمة الأوروبیة لحقوق الإنسان في قضیة C.Wypych في بولونیا (25 أكتوبر 2005 ،ملف رقم 05/2428) شكوى تقدم بھا عضو مجلس محلي بولوني، والذي رفض الإدلاء بتصریح عن مكاسبه، وقد استند في ذلك الى أن اجباره على افشاء تفاصیل بخصوص وضعيته المالیة ورصیده العقاري بمقتضى ھذا التشریع ھو مخالف للفصل 8 من الاتفاقیة الأوروبیة لحقوق الإنسان.

اعتبرت المحكمة أن اجباریة التصریح ونشره على الانترنت یمثلان فعلا تدخلا في الحق في حیاة خاصة، إلا أنه كان مبررا، إضافة إلى أن تبعات المعطیات المطلوبة لیست ذات وقع كبیر. اعتبرت المحكمة أن ھذه الصیغة الشاملة للتصریح بالمكاسب بالذات ھي التي تجعل من الممكن أن یؤدي تطبیق أحكام التصریح إلى النتیجة المرجوة. كما تعتبر المحكمة أن إجباریة تقدیم المعطیات عن الأملاك، بما فیھا أملاك الأزواج، یمكن أن تعتبر معقولة على معنى أنھا تھدف الى عدم تشجیع محاولات التستر على الأملاك باقتنائھا باسم القرین. كما صادقت المحكمة الأوروبیة لحقوق الانسان على نشر التصاریح والنفاذ الیھا على الانترنت بالتأكید على أن “الجمھور العریض لديه مصلحة مشروعة في التأكد من أن السیاسات المحلیة شفافة وأن النفاذ عبر الانترنت أكثر سھولة ونجاعة. وبدون مثل ھذا النفاذ لن تكون لھذه الإلزامیة أیة أھمیة أو تأثیر حقیقي على تحسین مستوى إطلاع العموم بالمستجدات السیاسیة.”
العبرة: حسب المحكمة الأوروبیة لحقوق الإنسان، نشر التصاریح بالمكاسب لا یتناقض مع حمایة الحیاة الخاصة. بالإضافة إلى أن نشر التصاریح والنفاذ إلیھا عبر الانترنت ضروري من أجل إعلام الجمھور.

التصريح بالمكاسب حول العالم : 6 تجارب

فرنسا: من كايزاك إلى فيون، تغيير سببه فضيحة

التشريع الساري المفعول في فرنسا بين 1988 و2013 هو الأقرب إلى الوضع التونسي (17/1987) فقد أثبتت سلسلة من الفضائح عدم جدوى هذا القانون البالي ونجاعة التراتيب والإجراءات التي وقع اقرارها في 2013/2014.ففي 2013 وجد الوزير الفرنسي للميزانية، جيروم كايزاك، نفسه متورطا في فضيحة كبرى: فقد كان بحوزته حساب بنكيا بسويسرا غير مصرح به لدى مصالح الجباية الفرنسية، وهو حساب يحوي ستمائة ألف يورو لا تخضع للآداء على المداخيل. وقد أثارت حتى الاذاعة والتلفزة السويسرية إمكانية وجود حساب آخر يحتوي على 15 مليون يورو.

حصلت هذه الفضيحة خلال فترة، رفعت حكومة فرنسوا هولاند فيها شعار المجهود والتضحية، وحيث كان السيد كايزاك مكلفا بجني مجهودات دافعي الضرائب الفرنسيين. برهنت هذه القضية على عدم نجاعة لجنة الشفافية المالية في الحياة السياسية.

في الواقع، كانت لجنة الشفافية المالية في الحياة السياسية تقارن بين التصاريح في بداية ونهاية فترة التكليف، فإذا ما وجدت فجوة كبيرة جدا، فإنها قد تسعى لإيجاد تفسيرات. غير أن بيانات اللجنة وملاحظاتها كانت سرية، ومن غير الممكن نشرها علنيا بدون طلب صريح من أصحابها أو بناء على طلب من السلطات القضائية.

نقطة أخرى مهمة في هذا السياق، حيث كان تأخر التصاريح مسألة شائعة جدا: 25٪ من الممثلين الإقليميين، 9٪ من مسؤولي الإدارات و13٪ من أعضاء مجلس الشيوخ. ولم تتخذ أي عقوبات ضدهم. وفي 16 في المائة من الحالات، لم تحظ التصريحات بالاهتمام الكافي، ولم يكن أقارب السياسيين المنتخبين معنيين بالتصريح.

وعلاوة على ذلك، كان هناك إفلات فعلي من العقاب. بين عامي 1988 و2009، أودعت لجنة الشفافية المالية 12 قضية فقط بالمحاكم. وقد رُفضت جميع القضايا لأن الإثراء غير المبرر، في شكله، ليس جريمة في حد ذاته.كانت قضية كايزاك نقطة الانطلاق لإصلاح هذه اللجنة وإجراءات مكافحة تضارب المصالح والشفافية، حيث اعتمد المجلس الوطني الفرنسي قانونا جديدا بشأن الشفافية في الحياة العامة.

إذ أن هذا القانون يؤسس لإنشاء سلطة إدارية مستقلة لمراقبة التصريح بالمكاسب وتضارب المصالح، وهي الهيئة العليا للشفافية في الحياة العامة (HATVP).

في سبتمبر 2014 وقعت فضيحة ضريبية جديدة تتعلق هذه المرة بكاتب الدولة المكلف بالتجارة الخارجية، توماس ثيفينود أجبرته على الاستقالة بعد تسع أيام من تسميته. اثر ذلك، صدر قانون جديد بشأن الشفافية، ومكافحة الفساد وتحديث الحياة الاقتصادية “القانون سابان 2” مؤرخ في 9 ديسمبر2016، وتوضع بموجبه التصاريح بالمكاسب على شبكة الإنترنت في مرجع رقمي.

لعب هذا التغيير دورا حاسما خلال الحملة الرئاسية. من خلال تصاريح المرشحين التي وضعت للجماهير على الانترنت، حيث قام الصحفيون الاستقصائيون بالتركيز على بيانات فرانسوا فيون، المرشح الرئاسي الذي فاز في الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط وإجتذب انتباههم مربع يشير إلى وصف “النشاط المهني لزوجته” حيث كشفت العودة إلى مختلف البيانات المحاسبية المتعلقة بالموضوع تجاوزات غير عادية لجملة الأجور التي تتلقاها الزوجة. حيث أشارت هذه البيانات إلى حصول هذه الأخيرة على مبلغ 0.00010€ من مجلة العالمين (La Revue des deux mondes)، و هي مجلة يرأسها قريب لزوجها. زاد الشك في بينيلوب فيون لأنه لم يعرف عنها أبدا أنها قد كتبت مقالات، ولا حتى تحت اسم مستعار.

بالتوازي مع ذلك، انتبه صحفيون من “كانار أونشيني”(Le Canard enchaîné) إلى النشاط البرلماني لفيون خاصة بين عامي 1998 و2007، حيث كان يدفع لزوجته من ميزانية الجمعية الوطنية (Assemblée Nationale) كمساعدة برلمانية. كذلك هذه المرة، لم يكن لدى السيدة فيون لا شارة دخول للمجلس أو بطاقة لمطعمه. فكانت بالتالي مجرد وظيفة وهمية.

وكانت النتيجة كما هو معروف للجميع، أن فرانسوا فيون، مرشح اليمين لم يتأهل في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

العبرة: قبل 2014 وقضية كايوزاك، كان النفاذ إلى التصاريح غير ممكن. وضع التصاريح على الانترنت دعم نزاهة الطبقة السياسية وثقة المواطنين في ممثليهم المنتخبين وسهل عمل الصحفيين. 

الفلبين: ما هي الغاية من نشر التصريح بالمكاسب؟

في إطار تحقیق استقصائي، قامت مجموعة من الصحفیین بملاحظة فارق كبیر بین نمط حیاة موظفي إدارة وبین ما يتلقونه  من راتب سنویا 12 .ً بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الصحفیون أنه، وعلى امتداد 45 الضرائب سنة، تّم تقدیم 24 دعوى قضائیة من قبل أعوان الضرائب، لتغییر وتأخیر تواریخ میلادھم، وبالتالي تاریخ تقاعدھم. أجري تحقیق بناء على التصاریح المنشورة، ومقارنتھا بالأرقام المنجمیّة للسیارات، وسجلات الممتلكات والسجلات التجاریة وأرقام تسجیل الشركات. تّم الكشف عن العدید من التناقضات ما بین مختلف المعطیات التي تّم توفیرھا في التصاریح على المكاسب، وخاصة أن أعوان إدارة الضرائب كانوا قد استخدموا وكلاء لإخفاء ممتلكاتھم. تّم إجبار العدید من الأعوان المعنیین على الاستقالة بعد نشر التقریر الاستقصائي، وتّم توجيه تھم متعلقة بالفساد إلیھم، وتّم إیقاف آخرین.

العبرة: إن تجربة الفلبین لیست معزولة. سمح نشر التصاریح في العدید من البلدان الأخرى للصحفیین الاستقصائیین بدعم جھود الدولة في مكافحة الفساد ومحاربة الإثراء غیر المشروع. بالإضافة للصحفیین والباحثین الجامعیین، فإنھ یمكن للمجتمع المدني أن یلعب دورا ً مھما في التثبت من دقة البیانات التي یتّم  التصریح بھا.

الأرجنتين : من أجل رقابة ناجعة، يجب توفير كافة الإمكانيات اللازمة : التقنية، القانونية و المالية

في الأرجنتین، كان التصریح على المكاسب ورقیّا حتى 1999 .وانطلاقا من سنة 2000 ،تمت رقمنة التصاریح. لقد شھد معدل كلفة التص ّرف في التصریح الواحد انخفاضا من 67 دولار الى 8 دولارات. كما ارتفعت نسبة المص ّرحین من 70إلى 98 بالمائة.

العبرة: تزيد الرقمنة من نجاعة النفاذ إلى ومراقبة التصاريح على المكاسب والمصالح. تثير المعلومات الرقمية اهتمام المواطنين والصحفيين، كما أن تقلّل من تكلفة التصرف بالنسبة إلى الدولة.

تنزانيا ما جدوى الرقابة الجيدة دون عقوبات فعّالة؟

تُقدم التصاريح إلى مفوضية الأخلاقيات. وعلى الرغم من أنها تتحمل مسؤولية رسمية عن التحقق من صحة البيانات، إلا أن القانون لا يوفر لها الوسائل القانونية لفرض العقوبة على المنتهكين عند عدم امتثالهم لمدونة قواعد السلوك.

العبرة:بدون وجود الوسائل القانونية الفعالة، تطبيق القانون يبقى مستحيلا.

غانا 

يودع التصريح لدى مراجع الحسابات العام ويحتفظ به سرا. يعرقل غياب النشر عملية مراجعة الحسابات لأنه حتى المراجع العام لا يتمتع بسلطة قانونية للنفاذ لمحتوى التصاريح. وبالتالي فإنه لا يمكن التحقق من المحتوى.


العبرة:عدم نشر التصاريح يعرقل الرقابة والتتبعات المحتملة من قبل أجهزة الدولة أو المواطنين.

 

Mohamed Slim Ben Youssef

Add comment